الصومُ الحقيقيّ

القوت اليومي

الصومُ الحقيقيّ


إنَّ مِنَ الواجبِ علينا أَن نعرِفَ مقاصدَ أَصوامنا، فلا نَكونَ كالتائِهينَ في البحر،

 يتَوَهَّمونَ أَنَّهُم إلى المدينةِ قاصدون، وَهُم في مُتَّجَهٍ آخر هائمون.

 فإِن قُلتَ: ما الصومُ في الحقيقة، أَهوَ غيرُ الامتناعِ عنِ الطعامِ وقتاً محدودا؟ قُلتُ أَلصومُ هوَ الإمساكُ عن جميعِ الرذائلِ والتمسُّكُ بجميعِ الفضائل، بِمنعِ النفسِ عَنِ اللذَّاتِ البدَنيَّةِ كالأطعمَةِ والأَشرِبةِ وَسِواها.

 وَعلى ذلِكَ قَولُ اللهِ لبني إِسرائيل، إِذ كانوا يَظُنُّونَ أَنَ الصومَ هُوَ الامتناعُ عن الطعامِ حتَّى الليلِ فقط، ثُمَّ يُقبِلونَ على الطعامِ يأكلونَ وَيشربون.

فَيُبَكِتُهُمُ اللهُ قائلا: ها سبعونَ سنَةً مَرَّت، أَلَعَلَّكُم صُمتُم لي فيها صَوما، يا إِسرائيل، وإِن أَكلتُم وَشرِبتُم، أَفَلَستُم أَنتُم تأكلونَ وَ تشربون؟

لَيسَ الصومُ أَن يَضَعَ الإنسانُ نَفسَهُ وَيَحنيَ عُنُقَهُ  وَيَفتَرِشَ لَهُ مِسحاً وَرَمادا،

 بل أن تَحُلّ أَغلالَ الإثم،

وتقطعَ رُبُطَ الظلم،

وتُجانِبَ المَكرَ وَالغِشّ،

 وَ تُعتِقَ المُستَعبَدين،

 وتَكسِرَ خُبزَكَ للجائع،

 وتُؤوِيَ الغَريبَ إِلى بَيتِكَ،

 وَتَنصِفَ الأَيتامَ والأَرامِل،

 ولا تتغاضى عن لَحمِكَ ودمِكَ فإِن تَفعَل ذلكَ،

 فيُشرِقُ نُورُكَ في الظُلمة،

 ويظهَرُ بِرُّكَ سريعاً،

 وَينفجرُ ضِياؤُكَ مثلَ الصبح وتجمَعُ كرامةُ الرَّبِّ شملَكَ،

 وَيُدَبِّرُكَ اللهُ تدبيراً صالحا،

 وَتشبَعُ نفسُكَ من الخِصب،

 وَتَصيرُ كالبُستانِ الذي تَمُوجُ أَغصانُهُ نَضِرَةً،

 وَكينبوعِ الماءِ الذي لا ينقطِع.

وتبني من خيراتِكَ الخِرَبَ التي خربت منذُ القديم، وَتُقيمُ الأَساسَ الذي سقَطَ من أوائِل الزمان .

 

فإِذا كانَ هذا قولُ اللهِ لأُولئِكَ الذينَ مواعيدُهُم جسديَّة، فما عساهُ يقولُ لنا؟

 وإذا كان لم ينظُر إلى أصوامِهِم سحابَةَ سَبعينَ سنَةً لِخُلُوِّها من هذهِ الفضائِل فكيفَ يُبالي بأَصوامنا؟

وإِلى مِثلِ هذهِ أَشارَ ربُّنا، قال: إِنَ الصومَ معَ الصلاةِ يُخرِجُ الشيطان.

فسبيلُنا أَن ننهضَ من غفلَتِنا وَ نُحافِظَ على الأَصوامِ المَرضيَّةِ لإلهنا، لِنفوزَ بنعيمِ ملكُوته، الذي لَهُ المجدُ إِلى الأَبد .آمين .

 

قراءةُ من القديسِ يوحنا فمِ الذهب (+407 )