إنْ كُنْتَ تَصْرِفُ كُلَّ حَياتِكَ وَكُلَّ حِكْمَتِكَ في العَمَل، ولا تَحْتَفِظْ مِنْهُما بِشَيْءٍ لِلتَفكيرِ والتَّأمُّل، أتُراني أمْدَحُكَ؟ لا! ولا أحَدَ يَمْدَحُكَ، مِمَّنْ سَمِعوا كَلِمَة الحَكيم : "مَنْ حَدَّ عَمَلَهُ وَجَدَ الحِكْمَة". هذا، وإنَّ العَمَلَ نَفْسَهُ يَحْتاجُ إلى أنْ يَسْبِقهُ تَفكير.
وإنْ أرَدْتَ أنْ تَكونَ كُلًّا لِكُلّ، على مِثالِ مَنْ صارَ كُلًّا لِكُلّ، فإنّي لأمْدَحُ فيكَ الإنْسان، شَرْطَ أنْ يَكونَ هذا الإنْسانُ شامِلاً كامِلا. وَكَيْفَ يَسَعُكَ أنْ تَكونَهُ، إذا اسْتَثْنَيْتَ نَفْسَك؟ أنْتَ أيْضاً إنْسان، وَلِكَيْ يَكونَ الإنْسانُ فيكَ شامِلاً كامِلا، يَجِبُ أنْ يَشْمُلَكَ أنْتَ أيْضا، حينَ تَفْتَحُ قلْبَكَ لِلجَميعِ بِسَخاء. وإلّا فماذا يَنْفَعُكَ لوْ رَبِحْتَ النّاسَ كُلّهُمْ، كما قالَ الرَّبّ، وَخَسِرْتَ نَفْسَكَ؟
أنْتَ مُلْكُ الجَميع، فَكُنْ واحِداً مِنَ الذينَ أنْتَ مُلْكٌ لَهُم! وَلِمَ تَبْقى أنتَ وَحْدَكَ مَحْروماً تلكَ النِّعْمَة؟ وَحَتّامَ تَبْتَعِدُ روحُكَ عَنْكَ ولا تَعودُ إليك؟ حَتَّامَ تَأبى أنْتَ أنْ تَقْبَلَ نَفْسَكَ قَبولَكَ لِجَميعِ الذينَ يُقْبِلونَ إليك؟
(تحريض القديس برنردوس للبابا اوجانيوس الثالث، 1، 5 - 6)
القِدِّيسِ بِرْنَرْدُوس (+1153)