ألصلاةُ نورُ النفس

القوت اليومي

ألصلاةُ نورُ النفس

 

 

 

قراءةٌ من القديس يوحنَا فم الذهب (+407)

 

 

ألصلاةُ نورُ النفس

      

الخيرُ الأعظمُ هو الصَلاة، أي التكلُّمُ بِدالّةٍ مَعَ الله. الصَلاةُ علاقَةٌ باللهِ واتحادٌ بِهِ. وكما أنَّ عَيني الجَسَدِ تُضاءَانِ عندَ رُؤيَةِ النور، كذلكَ النَفسُ الباحِثَةُ عَنِ اللهِ تستنيرُ بنورِهِ غيرِ المَوصوف.

 

ليستِ الصَلاةُ مَظهراً خارجيّاً، بل مِن القلبِ تنبَعُ. لا تُحصَرُ بِساعاتٍ وأوقاتٍ مُعيَّنة، بَلْ هيَ في نشاطٍ مُسْتَمِرٍّ ليلَ نهار. فلا يكفي أنْ نوَجِّهَ أفكارَنا إلى اللهِ وَقتَ الصَلاة فقط ، بلْ يَجْدُرُ بِنا أنْ نَمْزُجَ هذِهِ الأفكارَ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، حين نكونُ مَشغولين بِأمورٍ أخرى، كالعِنايَةِ بِالفُقراءِ والعمَلِ الصَالِح، لكَي نُقدِّم لِسَيِّدِ الكونِ غِذاءً شَهيّاً مُصلـَحاً بِمِلحِ مَحَبَّةِ الله.

      

ألصلاةُ نورُ النفسِ، ألمَعرِفة ُ الحقيقيّة ُ لله، ألوسيطةُ بين الله والإنسان. بِها ترتفِعُ النفسُ إلى السَماء، كرَضيعٍ مَعَ أمِّه. تَصْرُخُ الصَلاةُ إلى الله، باكية، عَطشى إلى اللّبنِ الإلهيّ. وإذ ما تُظهِرُ أشواقها الحَميمَة، تَتَقبَّلُ مِن اللهِ هدايا أرفعَ مِنْ كُلِّ طبيعَةٍ منظورَة. ألصلاةُ التي بها نتقرَّبُ إلى اللهِ باحترامٍ هي فرَحُ القلبِ وراحَةُ النفس...

      

ألصلاةُ تَقودُنا إلى اليَنبوعِ السَماويّ، تَمْلأنا مِنْ ذاكَ الشراب، وتـُجْري مِنّا يَنبوع ماءٍ يَنبَعُ لِلحياةِ الأبَديَّة. الصَلاةُ تُؤكّدُ لنا الخَيراتِ الآتية،  وبِالإيمان، تُعَرِّفُنا المَعْرِفَة الفُضلى لِلخَيْراتِ الحاضِرَة. لا تَظـُنَّ أنَّ الصَلاةَ تقتَصِرُ على الكلمات، إنّها انْدِفاعٌ إلى الله، حُبُّ غَريبٌ لا يأتي مِن البَشر، على قولِ الرَسول: "الرُّوحُ أيضاً يَعضُدُ ضَعْفنا، فإنّا لا نَعلمُ ماذا نُصلّي كما ينبغي، ولكنَّ الرُّوحَ نَفسَهُ يَشْفَعُ فينا بِأنّاتٍ لا تُوصَف"...

      

إنّ هذه الصَلاة، إذا وَهَبَها الله لأحَد، تـُضحي غِنىً لا يُسلَبُ وَغِذاءً سَماويّاً يُشبِعُ النفس. مَنْ ذاقها مرَّةً، تَمَلَّكَهُ شوقٌ أبَدَيٌّ إلى الله، كنارٍ آكِلَةٍ تُضرِمُ القلب.

      

فَدَعِ الصَلاةَ تَتَفَجَّرُ مِنْكَ بِمِلئها، فَتُزَيِّنُ بلَطافةٍ وتواضُعٍ مُخْدَع قلبِكَ وتَجعَلَهُ ساطِعاً بِضياءِ الحَقّ، مَصقولاً بِالأعمالِ الصالِحَة.

      

جَمِّلْ بَيْتَكَ بالإيمانِ والنُبلِ لا بالفُسيفساء، وَضَعِ الصَلاةَ في أعلى البُنيانِ فيكتمِلَ بها. وهكذا يُصبِحُ منزِلُك أهلاً لاسْتقبال الرَّبّ، كأنّهُ قَصْرٌ مَلَكيّ، أنتَ الذي، بالنعمَة، تملِكُ الرَّبّ، على نَحْوٍ ما، في هَيكَلِ نَفسِكَ.

 

 

 (العظة السادسة، في الصلاة)