ألسَّهَرُ مَعَ المَسيح

القوت اليومي

ألسَّهَرُ مَعَ المَسيح

 

 

 

 

لدَيْنا مَجالٌ لِلبَحْثِ في كَلِمَةِ "سَهَر". دَرْسُها واجِب، لأنَّ مَفْهُومَها لَيْسَ واضِحاً كما قدْ يَتَصَوَّرُ بَعْضٌ لأوَّلِ نَظْرَة، ولأنَّ الكِتابَ يُشَدِّدُ على اسْتِعْمالِها.

 

فَعَلينا لا أنْ نُؤمِنَ فحَسْب، بَلْ أنْ نَسْهَرَ أيْضا، لا أنْ نُحِبَّ، بَلْ أنْ نَسْهَر، لا أنْ نُطيعَ، بَلْ أنْ نَسْهَر.

 

لِمَ السَّهَر ؟ ألسَّهَرُ واجِبٌ لأجْلِ الحَدَثِ الكَبيرِ وَهُوَ مَجِيءُ المَسيح !

       

ما مَعْنى السَّهَر ؟ أرى أنَّ في إمْكاني شَرْحَهُ لكَ كما يلي : أتَدْري ما انتِظارُ صديق، إنتِظارُ مَجيئه، وأنْتَ تَراهُ بَطيئاً ؟ أتَدْري ما الجُلوسُ إلى إنْسانٍ مُزعِج، وَأنْتَ تَشْتَهي أنْ يَذهَبَ الوَقتُ، وَتَحينَ السَّاعَة، وَتَتَحَرَّرَ مِنْ رُفْقتِه ؟

 

أتَدْري ما القلقُ مِنْ أمْرٍ يَحْدُثُ أوْ لا، أوْ مِنِ انْتِظارِ أمْرٍ هامّ، يَخْفُقُ لهُ قلبُكَ حينَ تَذكُرُه، وأوَّلَ ما تَفْتَحُ عَيْنَيكَ تُفَكِّرُ فيه ؟

 

أتَدْري ما هُوَ أنْ يَكونَ لكَ في بَعيدٍ صَديق، تَحومُ على أخْبارِه، تَتَساءَلُ يَوماً بَعْدَ يَوْمٍ ما يَفْعَلُ في مِثلِ هذهِ اللحْظَة، وَهَلْ هُوَ في صِحَّةٍ جَيِّدَةٍ تامَّة ؟

 

أتَدْري ما العَيْشُ في سَبيلِ عَزيزٍ تَتْبَعُ عَيناكَ عَيْنَيه، تَقْرأُ أساريرَهُ، تَلْحَظُ في مُحَيّاهُ أدَقَّ تَغَيُّر، يَسْبِقُ حِسُّكَ رَغَباتِهِ، تَبْتَسِمُ لابْتِسامِه، وَتَحْزَنُ لِحُزنِهِ، تَرْتَعِشُ لانْزِعاجِهِ، وَتَفْرَحُ بِنَجاحِهِ ؟

 

       

إنَّ السَّهَرَ في انْتِظارِ المَسيحِ عاطِفَةٌ تُشْبِهُ تِلكَ العَواطِفَ جُمْلَةً، ما وَسَعَ عَواطِفَ عالَمِنا أنْ تُمَثِّلَ عَواطِفَ العالمِ الآخَر.

 

 

(خطبة رعائية، 22) 

 

الكَردينال نْيُومان (+ 1890)