أعجب العجائب كلّها

القوت اليومي

أعجب العجائب كلّها

 

 

 

 

 

إستقاءُ حكايةِ القدّيس شربل - حكايةِ بُطولةِ الرُّوح - مُباشرةً مِن أفواهِ مُعاصريه، قد يكونُ أكبر فرَحٍ يُسْحِرُ اللُّبَّ ويُغذّي الرُّوح. مُعاصِرُوه؟ ليسُوا شُهُودَ مُعجزاتِه بعدَ ممَاتِه فحَسْبُ بل شُهُودَ الآيةِ العُظمى، آيةِ حياتِه العَجَب.

 

طوالَ سبعينَ عامًا، مُنْذُ وفاته، كَثُرَ المُتسائِلُون: ماذا فَعَلَ؟ وقلَّ مَنْ يسأَل: مَن هوَ وكيفَ عاش؟

كثيرُون يتسَقَّطُونَ الخَبَرَ عن مُعجزاتِه. وقليلونَ مَن يُهِمُّهم ما مارَسَ مِن فضائل.

 

لا يُحْصَى عَدَدُ الذين تلهَّفُوا إلى رُؤْيَةِ جَسَدِه العجيب، ولكنّ الراغبينَ في معرفةِ شربلَ المُطيعِ، الفقيرِ، العفيفِ، المُسْتَهامِ بالله، نادِرُون.

 

صُحُفٌ لا تُعَدُّ نَشَرَتْ، شرقًا وغربًا، خوارِقَ عنّايا. أمّا التي حاولَتِ النَّفاذَ إلى الجوهر، إلى رُوحانيّةِ القدّيس شربل وحياته الباطنيّة فتَكادُ لا تُذكَر.

 

لِمَ التَّوقُّفُ طويلاً عندَ الظّواهر: ألجِسْمِ والمُعجزات؟ أيَحِقُّ لِمَنْ يَجْرَعُ كأْسَ ماءٍ أن يَنسى اليَنبوعَ والبَحْر؟

 

أمْ لأنّ ثَمّةَ بابًا واحِدًا لِلوُلُوجِ إلى عالَمِ شربل الخفيّ: بيئتَهُ وشهاداتِ مُعاصريه يَروُونَ ويَكتُبُون؟

جوهَرُ بيئتِهِ لم يتبدَّلْ، ومُعاصِرُوه لا يزالُ بَعضُهم أحياءَ يُرزَقون. شهاداتُهم راهنة، في حَدَثٍ مُعاصِر، يُمكِنُ تمحيصُها والتَّثبُّتُ من صِحّتِها لدى استِقائِها من أفواههم بالذّات.

 

أمّا آثارُ شربل المكتوبة فليسَ لها وُجود. إنّه، نَظيرَ مُعلّمِه الإلهي، لم يَكتُب إلاّ على قلوبِ سامعيه.

لقد دعاهُ اللهُ إلى غيرِ الكتابة، إلى تقديس الذّاتِ بالفضائل، عن طريق التأمُّلِ المُستمرّ، والصّلاةِ الدّائمة، والعَمَلِ الصّامِت.

 

ما ضارَهُ أنّه لم يَتْرُكْ سَطْرًا بخطّ يَدِه؟ لُغتُه كانتِ الصّمت، أعني تلك السّكينةَ البعيدةَ الغَورِ التي تَكتنفُ الرُّوحَ عندما تَحتلُّ المحبّة أعماقَ الذّات، إذْ تَسُودُ وداعةُ القلبِ الحميمة، التي هي سَكْرَةُ عَقْلٍ بجمالِ الله

حكايةُ شربل؟ إنّه إنسانٌ لَهَتْ أصابِعُه بكأْسٍ أتْرَعَتْها الملائكةُ مِن خمرَةِ الأزل، فسَكِرَ وطالَ سُهْدُهُ سبعين عامًا.

 

عندما صَحا، إذا بِه في عالَمِ البقاء.

 

 

 

من كتاب "شربل سكران بالله"

الأب بولس ضاهر