السبت الرابع بعد الدنح

الإنجيل

السبت الرابع بعد الدنح

 

 

 

 

إنجيل اليوم  (يو 19: 28 - 37)

 

 

28 بَعدَ ذَلِكَ، كَانَ يَسُوعُ يَعلَمُ أنَّ كُلَّ شَيءٍ قَد تَمّ، ولِكَي تَتِمَّ آيَةُ الكِتَابِ قَالَ: "أنَا عَطشَان!".

29 وكَانَ هُنَاكَ إنَاءٌ مَملُوءٌ خَلاًّ. فَغَمَسُوا في الخَلِّ إسفَنجَةً، وَوَضَعُوهَا على عُودٍ مِن زُوفَى، وأَدنَوهَا مِن فَمِهِ.

30 فَلَمَّا ذَاقَ يَسُوعُ الخَلَّ قَال: "لَقَد تَمّ!". ثُمَّ حَنَى الرَّأس، وأسلَمَ الرُّوح.

31 وَإذْ كَانَ يَومُ التَهيِئَة، سَألَ اليَهُودُ بِيلاطُسَ أن تُكسَرَ سِيقَانُ المَصلُوبين وَتُنْزَلَ أجسَادُهُم، لِئَلاَّ تَبقَى على الصَّلِيبِ يَومَ السَّبت، لأنَّ يَومَ ذَلِكَ السَّبتِ كَانَ عَظيمًا.

32 فَأتَى الجُنُودُ وكَسَرُوا سَاقَي الأوَّلِ والآخَرِ المَصلُوبَينِ مَعَ يَسُوع.

33 أمَّا يَسُوع، فَلَمَّا جَاؤُوا إليهِ وَرَأوا أنَّهُ قَد مَات، لَم يَكسِرُوا سَاقَيه.

34 لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الجُنُودِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَة. فَخَرَجَ في الحَالِ دَمٌ وَمَاء.

35 وَالَّذي رَأى شَهِدَ، وشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعلَمُ أنَّهُ يَقولُ الحَقَّ لِكَي تُؤمِنوا أنتُم أيضًا.

36 وَحَدَثَ هَذا لِتَتِمَّ آيَةُ الكِتَاب: "لَن يُكسَرَ لَهُ عَظم".

37 وَجَاءَ في آيَةٍ أُخرَى: "سَيَنظُرُونَ إلى الَّذي طَعَنُوه".

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

 

أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة اللّيتورجيّة"، عنوانان، الأوّل: "موت يسوع" (28 - 30)؛ له نصّ موازٍ في متّى (27: 45 - 55)، وآخر في مرقس (15: 33 - 39)، وآخر أيضًا في لوقا (23: 44 - 48)؛ والثاني: "طعن جنب يسوع بالحربة" (31 - 37)؛ يرد هذا النصّ الأخير، مع شرحه، يوم الجمعة العظيمة من أسبوع الآلام.

 

 

 جاء في "كتاب القراءات"، حول هذا النصّ بعنوانَيه، ما يلي: يكمّل هذا النصّ نصّ إنجيل يوم الأحد من هذا الأسبوع (يو 4: 5 - 7، 9 - 26)، في آيتَين، الأولى: "أنا عطشان" (38)، والثانية: "فخرج من جنبه في الحال دم وماء" (34)؛ وفي هذا، دليل على موت يسوع، ودليل على ذبيحته التامّة، ورمز إلى ماء العماد ودم الإفخارستيّا، أي إلى ولادة الكنيسة من جنب المسيح، كما ولدت حوّاء من ضلع آدم الأوّل (تك 2: 22).

 

 

 حول موت يسوع (28 - 30)، الذي هو "الحدث" الفريد والحاضر في تاريخ البشر، والذي هو، بالضرورة ولدى كلّ مفكّر جدّيّ، نبع لا ينضب من الأفكار التي تطال حقيقة الإنسان في واقعه ومصيره، عند العبارة التي قالها يسوع: "لقد تَمّ!" كلّ شيء، مقترحًا ما تعنيه، بنظري، من جهة الإنسان الخاطئ، بشخص الذين حكموا على يسوع بالموت على الصّليب، ومن جهة الله الآب، بشخص ابنه الوحيد يسوع:

 

 

 نتذكّر أنّ الإنسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله، وقد أراد، بخطيئته الأصليّة ضدّ الله خالقه، وبالخطايا المتكرّرة والمعبّرة عنها، والممتدّة إلى أخيه الإنسان، أن يصبح إلهًا، أن يصبح هو الله، أن "يعدم" الله ليحلّ محلّه؛ في هذا المعنى، أصبحت الخطيئة في الإنسان نقيض فعل الخلق في الله؛ إنّها تنبثق من "العدم" الذي كانَه الإنسان قبل أن يخلقه الله، والذي لا يزال فيه بحكم كونه مخلوقًا.

 

 

 

ب- وبما أنّ الإنسان الخاطئ لم يتمكّن أصلاً، ولن يتمكّن عبر الزمن، من إلغاء الله خالقه وإعدامه، فقد اختبأ من وجه الربّ (تك 3: 8)، واكتشف أنّه عريان (تك 3: 10)، وصار مع ذاته، وفي حالة رفض لفكرة الله فيه، ولشوقه إليه، وفي تجربة عداوة مع أخيه؛ على أنّ الله الخالق لم يشأ أن يتخلّى عن الإنسان، عن صورته ومثاله، ولم يسمح بأن يعود إلى العدم، بعد أن خلقه بمحبّة لامتناهية، مكتفيًا بإخراجه من جنّة عدن، حتّى لا يعود فيلتقي به، إلى الأرض التي أُخِذَ منها (تك 3: 23)؛ ووعده بالخلاص مِمّا تسبّبه لذاته، بخطيئته، من وجود للموت بصيغة الفاعل والمفعول (راجع قصّة قايين وهابيل، تك 4، ومليارات أمثالها في التاريخ البشريّ).

 

 

ج- كيف أتمّ الله الخلاص الذي وعد به الإنسان الخاطئ؟

 

لقد تنازل الله الآب واتّصل بالإنسان ليعيده إليه...؛ وأخيرًا أرسل ابنه الوحيد يسوع إلى العالم، لكي يتمّ هذا الخلاص! اتّخذ يسوع ذات الإنسان، لا تلك التي خرجت من يدي الله الخالق، والتي كان الإنسان قد أفسدها وشوّهها بخطيئته، بل تلك التي صارها الإنسان بخطيئته "العَدَميّة"، وتجلّى يسوع بهذه الذات، في حياته، وبخاصّة في آلامه وموته على الصّليب! وهنا، ظنّ الإنسان الخاطئ والواقف أمام يسوع، المصلوب الإلهيّ، أنّه قد أتمَّ بخطيئته، إعدام الله بإعدام يسوع الإنسان: "أمّا الرؤساء فكانوا يتهكّمون قائلين: خلَّصَ آخَرين، فليخلّصْ نفسه، إن كان هو مسيح الله المختار!" (لو 23: 35)؛ بينما الله الآب، فقد أتمّ، بموت يسوع ابنه الوحيد، خلاص الإنسان، خلقه من جديد، بإقامة يسوع من بين الأموات، وإشراك هؤلاء الأموات، كلّ الناس، عبر الحياة الزمنيّة، بآلامها وبنهايتها، بقيامته الخلاصيّة، في عدن جديدة أبديّة.

 

 

4- وحول طعن جنب يسوع بالحربة (31 - 37)، نتوقّف عند الأفكار التالية.

 

 

 

أ- يوم الجمعة كان يوم التهيئة، السابق ليوم السبت العظيم، الذي لا يجوز أن تبقى فيه أجساد المصلوبين على صلبانهم؛ لذلك، كُسرت ساقًا اللّصَّين، تسريعًا لموتهما؛ أمّا يسوع، الذي كان قد مات، فاكتفى أحد الجنود بطعن جنبه بحربة للتثبُّت من موته، فتمّت آية الكتاب (خر 12: 46): "لن يُكسَرَ له عظم" (36).

 

 

ب- وبما أنّ ذبح حمل الفصح كان يتمّ في تلك اللّيلة الفصحيّة، يرى يوحنّا الإنجيليّ بأنّ طعن جنب يسوع بالحربة يدلّ على أنّ يسوع قد حلّ مكان الحمل فدى شعبه، وبأنّ الدم والماء اللَّذَين خَرَجَا من جنبه، هما علامة أكيدة لموته، ورمز إلى ولادة الكنيسة من جنب يسوع، آدم الجديد، كما ولادة حوّاء من ضلع آدم الأوّل (تك 2: 22)، بسرَّي العماد (الماء)، والإفخارستيّا (الدم).

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

1- شرح عبارات وكلمات:

أ- كلّ شيء قد تَمّ (28): أي الرسالة التي طلب منه أن يقوم بها؛ هي حسب الكتاب المقدَّس، وبالتالي حسب مشيئة الله الآب، التي نقرأها في الكتاب المقدَّس.

 

 

ب- أنا عطشان (28): نتذكّر كلام يسوع حين طلب من السامريّة ماءً ليشرب (يو 4)، هو الذي يريد أن يعطينا ماء الحياة الأبديّة، بحيث لا نعود نعطش.

 

ج- الخلّ والزوفى (29): الخلّ هو شراب الفقراء، وبالتالي شراب يسوع الغنيّ، والذي افتقر من أجلنا (2 قور 8: 9)؛ الزوفى تُستَعمَل في طقس الحمل الفصحيّ (خر 12: 22) من أجل التطهير (لا 14: 4؛ مز 51: 9)؛ نتذكّر أنّ يسوع هو حمل الفصح.

 

 

د- حنى رأسه (30): ظلّ يسوع سيّد نفسه حتّى النهاية.

هـ - أسلم الرّوح (30): في معنى أوّل، مات؛ وفي معنى ثانٍ، سلّم الرّوح القدس إلى العالم في موته (يو 7: 39؛ 16: 5 - 7)؛ وسوف يسلِّمه إلى كنيسته في ظهوره الفصحيّ (يو 20: 22).

 

و - يوم التهيئة (31): هو اليوم السابق للفصح، في العالم اليهوديّ، فيه تُذبَح الحملان عند الساعة السادسة، من أجل أكل الفصح الواقع، في تلك السنة، يوم السبت (العظيم)؛ ذبح يسوع المسيح، حمل الفصح الحقيقيّ، في ذلك اليوم (1 قور 5: 7): أتمّ يسوع، بموته على الصّليب، المدلول الحقيقيّ لحمل الفصح (أش 53: 7؛ يو 1: 29): صلب يسوع في يوم تهيئة الفصح، ولم يكسر له عظم، كما كان الأمر بالنسبة إلى حمل المسيح (خر 12: 8، 46؛ يو 19: 36).

 

ز- أن تُكسَر سيقان المصلوبين (31 - 32): تأمر الشريعة بذلك (تث 21: 22 - 23)؛ وعندما تُكسَر ساقا المصلوب، ولا تعود تحمله، يختنق بسرعة ويموت.

 

ح- لن يُكسَر له عظم (36): راجع (خر 12: 46؛ عد 9: 12)، (الحمل الفصحيّ)، (يو 1: 29) "حمل الله"؛ وتعني العبارة حماية الربّ للبارّ المتألّم (مز 24: 21).

 

2- الآية (34): لكي يتأكّد جنديٌّ من أنّ يسوع قد مات حقًّا، قام بفعل يدلّ على الوحشيّة: طعن جنبه بحربة، فخرج دم وماء:

 

أ- فدلّ ذلك على أنّ يسوع كان حقًّا بشرًا (وما تَظاهَرَ)، فعاش ومات مثل البشر (راجع يو 6: 51)؛

ب- ويشير الدم إلى الإفخارستيّا، والماء إلى العماد؛ في هَذين السرَّين، ولدت الكنيسة؛ لقد خرجت من جنب المسيح، يقول بعض الآباء، كما خرجت حوّاء من جنب آدم؛

 

ج- أضف إلى ذلك، أنّ الماء يرتبط بالرّوح (راجع يو 3: 5؛ 4: 14؛ 7: 38 - 39)، وأنّ الدم يرتبط بالحياة الأبديّة (راجع يو 6: 51 - 55؛ 1 يو 5: 6 - 8).

 

3- الآية (35): الشاهد هو الذي رأى، وعرف الحدث بشكل مباشر، واكتشف معناه العميق؛ ولكن، بما أنّ الشهادة تحتاج، لكي تصحّ، إلى شاهدَين، فالشاهد الثاني هو المسيح الممجَّد.

 

4- الآية (37): لشرح هذه الآية، نورد ما جاء على لسان النبيّ زكريّا (12: 10): "وأُفيض على بيت داود، وعلى سكّان أورشليم، روحَ الحنان والرحمة، فينظرون إلى الذي طعنوه، ويندبونه كمَن يندب وحيدًا له، ويتفجّعون عليه كمَن يتفجّع على ابن له بكر"؛ ونورد أيضًا ما جاء في سفر الرؤيا (1: 7): "ها هو يأتي على السُّحُب، وستراه كلّ عين، وأيضًا الذين طعنوه، فتنتحب عليه قبائل الأرض كلّها. أجل! آمين". فاليهود الذين أرادوا أن يروا المنتظَر في الأزمنة المسيحانيّة، يرونه، فها هو أمامهم مرفوع، ويحاول أن يجتذبهم والجميع معهم، إليه، ويقودهم إلى الإيمان.

 

                                                                        

الأب توما مهنّا    

 

 

فإِذَا كَانَ لِخِدْمَةِ الدَّيْنُونَةِ مَجْدٌ، فَكَمْ بِالأَحْرَى تَفُوقُهَا خِدْمَةُ البِرِّ مَجْدًا؟ - See more at: http://church.marantoniosalkabir.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D8%AD#sthash.mbtv5x0C.dpuf