الثلاثاء الرابع بعد عيد ارتفاع الصليب

الإنجيل

الثلاثاء الرابع بعد عيد ارتفاع الصليب

          

إنجيل اليوم (يو 16/ 20-24)

 

 

 

20 قالَ الرَّبُّ يسوع: "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لَكُم: إنَّكُم سَتَبكُونَ وتَنُوحُونَ، أمَّا العَالَمُ فَسَيَفرَح. أنتُم سَتَحزَنُونَ ولَكِنَّ حُزنَكُم سَيَتَحَوَّلُ إلى فَرَح.

 

21 المَرأةُ تَحزَنُ وهِيَ تَلد، لأنَّ سَاعَتَهَا حَانَت. ولَكِنَّهَا مَتَى وَلَدَتِ الطَّفلَ، لا تَعُودُ تَذكُرُ ضِيقَهَا، لِفَرَحِهَا أنَّ إنسَانًا وُلِدَ فِي العَالَم.

 

22 فأنتُم الآنَ أيضًا تَحزَنُون، إنَّمَا سَأعُودَ فأراكُم، وتَفرَحُ قُلوبُكُم، ولا يَنزِعُ أحَدٌ فَرَحَكُم مِنكُم.

 

23 وفي ذَلكَ اليَومِ لَن تَسألُونِي شَيئًا. الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لَكُم: كُلُّ مَا تَطلُبُونَهُ مِنَ الآبِ بِاسمِي، يُعطِيكُم إيَّاه.

 

24 حَتَّى الآنَ لَم تَطلُبُوا بِاسمِي شَيئًا. اطلُبُوا تَنَالُوا فَيَكتَمِلَ فَرَحُكُم".

 

 

 

أوّلاً قراءتي للنَّص

يرد هذا النصّ، مع شرحه، في زمن العنصرة، الأسبوع الثالث، يوم الخميس.

 

يبدأ يسوع جوابه على تساؤلات تلاميذه، حول العبارة "عَمّا قليل" التي ترد في كلامه (يو 16/ 16-19)، بالتأكيد على أنّه يقول الحقّ؛ من هنا، نقطة الانطلاق مع الرّبّ، وإلاّ يستحيل الذهاب إلى أبعد؛ الـ"عَمّا قليل" الأولى تدلّ على الزمن المتبقّي من حياة يسوع العلنيّة مع التلاميذ، والمنتهي مع بدء زمن الـ"عَمّا قليل" الثانية، الذي هو زمن آلام يسوع وموته على الصليب؛ وهذا الزمن هو أيضًا زمن البكاء والنوح والحزن بالنسبة إلى التلاميذ، وهو زمن الفرح والشعور بالانتصار بالنسبة إلى العالم.

 

ينتهي زمن الـ"عَمّا قليل" الثانية بحدث قيامة الرّبّ من بين الأموات، وبظهوراته للتَّلاميذ، وبتمجيده عن يمين الله الآب وبإرسال الروح القدس...؛ وهكذا يتحوّل موت يسوع إلى قيامة، وغيابه المحسوس إلى حضور روحيّ دائم؛ وكذلك، ينتهي حزن التلاميذ ويتحوّل إلى فرح دائم، لا ينزعه أحد منهم.

 

لقد شبّه يسوع هذا التحوّل لدى التلاميذ بالتحوّل الذي يحدث لدى المرأة، التي تحزن وتتضايق ساعة الولادة، ويتحوّل حزنها وضيقها إلى فرح بعد الولادة، وعند رؤيتها المولود-الطفل، الذي أتى إلى العالم؛ ويكتمل فرح التلاميذ بالصلة التي تنشأ وتتوطّـَّـد بينهم وبين الله الآب، الذي يمنحهم كلّ ما يسألونه باسم يسوع.

 

 

 

شرح عبارات وكلمات

 

إنّكم ستبكون وتنوحون، أمّا العالم فسيفرح (20)

لا شكّ في أنّ هذا الكلام  ثابت على المسيحيّة، من الناحية التاريخيّة (أزمنة الاضطهادات)، ومن الناحية المبدئيّة، إذْ على المسيحيّ الحقيقيّ واجب محاولة انسلاخ، دائمة ومؤلمة، عن العالم في اتّجاه الملكوت.

 

أنتم ستحزنون، ولكنّ حزنكم سيتحوّل إلى فرح (20)

لا شكّ في أنّ كلام الرّبّ ثابت، هنا أيضًا، من الناحية التاريخيّة (بارتداد العالم إلى المسيحيّة، بزوال الاضطهاد وسيطرة القيم المسيحيّة في الحضارة الإنسانيّة)، ومن الناحية المبدئيّة (بحضور الرّبّ، بروحه، معنا، وبشعورنا بفرح هذا الحضور الذي هو استباق زمنيّ للعالم الجديد، الآتي...)؛ لذلك فرحنا هذا دائم، ومتزايد، ولا أحد ينزعه منّا.

 

اطلبوا تنالوا فيكتمل فرحكم (24)

هذا يعني أنْ لا نعود إلى العالم، لنغرق فيه من جديد، ولا نعود، في هذه الحال، نطلب شيئًا مِمّا هو منه، ويبقى هكذا فرحنا غير مكتمل.

 

نتبيّن ممّا تقدَّم أنّ التدبير الخلاصيّ، الذي أتَمّه يسوع، قد انطوى على المعطيات الأَساسيّة التالية.

حياة زمنيّة عاشها يسوع شبيهة، من جهة، بحياة كلّ الناس، ومتميِّزة، من جهة أًخرى، عن حياة الناس بكثير من ظواهر التفوّق الإلهيّ في مجالَي الأقوال والأعمال؛ وطاعة كاملة لإرادة الله، تجلّت في حياة يسوع، وبخاصّة في تحمّله الأحكام الجائرة والظالمة، والآلام المبرّحة حتّى الموت على الصليب؛ مع الإشارة إلى أنّ هذه هي التي طالت ولا تزال تطال الكثيرين من أبناء البشر، وبخاصّة المؤمنين به، في حياتهم الاجتماعيّة.

 

حياة جديدة ممجَّدة، ارتقى إليها يسوع المتأنّس بالقيامة، واكتسبها لنا بجلوسه عن يمين الله الآب.

 

إيماننا بتدبير الله الخلاصيّ هذا ومشاركتنا فيه تقضي علينا عيش حياتنا العادية بشيء من البطولة؛ وعيش ظلم هذه الحياة وموتها بالتسليم الكامل لإرادة الله؛ وعيش التوق إلى الحياة الجديدة بالرجاء الوطيد.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 الآية (20)

يحزن التلاميذ وتتحطّم آمالهم حين يموت معلّمهم؛ ويفرح العالم الذي حكم عليه بالموت، وانتصر عليه بتنفيذ الحكم؛ ولكنّ هذا الوضع سينقلب، بالنسبة إلى التلاميذ، حين يرون، على ضوء القيامة، بأنّ موت يسوع ليس فشلاً في نهاية الأمر، بل هو، بالحقيقة، وفي العمق، انتصار وتمجيد ليسوع، ودينونة للعالم؛ هكذا ينقلب حزن التلاميذ فرحًا، لا ينزعه أحد منهم.

 

 

المرأة تحزن... (21)

حزن المرأة في المخاض ينقلب إلى فرح حين يولد إنسان؛ طبّق العهد القديم هذه الحال على أحداث الأزمنة المسيحانيّة (أش 26/ 16-20؛ 66/ 7-14)؛ وطبّقها يوحنّا على التلاميذ الذين ينتقلون من حزن موت الرّبّ إلى فرح قيامته الدائم.

 

في ذلك اليوم (23)

أي حين يأتي الزمن الإسكاتولوجيّ، لن تطلبوا منيّ معلومات، وما تسألون الآب باسمي يمنحكم إيّاه.

 

الآية (23)

أنهى يسوع خطبة الوداع، مثبّتًا تلاميذه في الرجاء، وواعدًا إيّاهم بأن يكون إلى جانبهم في حضرة الآب، فتصبح صلاتهم صلاته الخاصّة؛ وقوّة يسوع التي تغلّبت على قوى الشرّ سترافقهم في الاضطهادات الآتية (يو 16/ 24-33)؛ لَمّا كان يسوع معهم، لم يطلبوا منه شيئًا، ولكن عندما مضى يسوع في مجده، وصار الوسيط القدير بين الله الآب وبين المؤمنين به، فلهم أن يطلبوا وينالوا، وهكذا يكتمل فرحهم.

 

 

 

الأب توما مهّنا