الأحد الرابع بعد الدنح:
إعتلان سرّ المسيح للسامريّة وللشعب السامريّ
إنجيل يوحنا (4/ 5 -7 ،9 -26)
فَأَتَى إِلى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ يُقَالُ لَهَا سُوخَار، عَلى مَقْرُبَةٍ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهَا يَعْقُوبُ لٱبْنِهِ يُوسُف،
وفِيها نَبْعُ يَعْقُوب. وكَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ المَسِير، فَجَلَسَ عِنْدَ النَّبْع، وكَانَتِ السَّاعَةُ نَحْوَ الظُّهْر.
وجَاءَتِ ٱمْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاء، فقَالَ لَهَا يَسُوع: «أَعْطينِي لأَشْرَب»؛
فقَالَتْ لَهُ ٱلمَرْأَةُ السَّامِريَّة: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي أَنْ تَشْرَب، وأَنْتَ يَهُودِيّ، وأَنَا ٱمْرَأَةٌ سَامِرِيَّة؟». قَالَتْ هذَا،
لأَنَّ اليَهُودَ لا يُخَالِطُونَ السَّامِريِّين.
أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهَا: «لَو كُنْتِ تَعْرِفِينَ عَطِيَّةَ الله، ومَنِ القَائِلُ لَكِ: أَعْطينِي لأَشْرَب، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ
فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا».
قَالَتْ لَهُ المَرْأَة: «يَا سَيِّد، لا دَلْوَ مَعَكَ، والبِئْرُ عَمِيقَة، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ المَاءُ الحَيّ؟
هَلْ أَنْتَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوب، الَّذي أَعْطَانَا هذِهِ البِئْر، ومِنْهَا شَرِبَ هُوَ وبَنُوهُ ومَاشِيَتُهُ؟».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهَا: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا المَاءِ يَعْطَشُ مِنْ جَدِيد.
أَمَّا مَنْ يَشْرَبُ مِنَ المَاءِ الَّذي أُعْطِيهِ أَنَا إِيَّاه، فَلَنْ يَعْطَشَ إِلى الأَبَد، بَلِ المَاءُ الَّذي أُعْطِيهِ إِيَّاهُ يَصِيرُ فيهِ
نَبْعَ مَاءٍ يَتَفَجَّرُ حَيَاةً أَبَدِيَّة».
قَالَتْ لَهُ المَرْأَة: «يَا سَيِّد، أَعْطِنِي هذَا المَاء، حَتَّى لا أَعْطَش، ولا أَعُودَ إِلى هُنَا لأَسْتَقِي».
قَالَ لَهَا: «إِذْهَبِي، وٱدْعِي زَوْجَكِ، وعُودِي إِلى هُنَا».
أَجَابَتِ ٱلمَرْأَةُ وقَالَتْ لَهُ: «لا زَوْجَ لِي». قَالَ لَهَا يَسُوع: «حَسَنًا قُلْتِ: لا زَوْجَ لِي.
فَقَدْ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاج، والَّذي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. صَدَقْتِ في مَا قُلْتِ».
قَالَتْ لَهُ ٱلمَرْأَة: «يَا سَيِّد، أَرَى أَنَّكَ نَبِيّ.
آبَاؤُنَا سَجَدُوا في هذَا الجَبَل، وأَنْتُم تَقُولُون: إِنَّ المَكَانَ الَّذي فَيهِ يَجِبُ السُّجُودُ هُوَ في أُورَشَلِيم».
قَالَ لَهَا يَسُوع: «صَدِّقِينِي، يَا ٱمْرَأَة. تَأْتِي سَاعَةٌ، فِيهَا تَسْجُدُونَ لِلآب، لا في هذَا الجَبَل، ولا في
أُورَشَلِيم.
أَنْتُم تَسْجُدُونَ لِمَا لا تَعْلَمُون، ونَحْنُ نَسْجُدُ لِمَا نَعْلَم، لأَنَّ الخَلاصَ هُوَ مِنَ اليَهُود.
ولكِنْ تَأْتِي سَاعَة، وهِيَ الآن، فِيهَا السَّاجِدُونَ الحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِٱلرُّوحِ والحَقّ. فَعَلى مِثَالِ هؤُلاءِ
يُريدُ الآبُ السَّاجِدينَ لَهُ.
أَللهُ رُوح، وعَلى السَّاجِدِينَ لَهُ أَنْ يَسْجُدُوا بِٱلرُّوحِ والحَقّ».
قَالَتْ لَهُ ٱلمَرْأَة: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَشِيحَا، أَيِ المَسِيح، آتٍ؛ وعِنْدَمَا يَأْتِي فَهُوَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيء».
قَالَ لَهَا يَسُوع: «أَنَا هُوَ، أَنَا المُتَكَلِّمُ مَعَكِ».
تأمّل: (لمزيد من الإستنارة الروحيّة قراءته بتمهّل طوال الأسبوع)
بئر يعقوب: إن البئر في الشرق الأوسط، ولا سيّما في الأماكن القاحلة هو مكان للإلتقاء، ويقول عنه أوريجانوس في عظته حول سِفر التكوين أنّه مكان إلتقاء العشيقين. إن كان الشاب يريد أن يلتقي حبيبته كان يذهب الى البئر لأنّ الفتيات كنّ يقمن بالإستقاء كلّ يوم، عند العصر، حين تخفّ وطأة الحرّ.
فنجد في سِفر التكوين مثلاً أنّ خادم إبراهيم ذهب إلى البئر يفتّش عن عروس لابنة معلّمه (تك 11 /24: فأناخ الجِمال خارج المدينة، بالقرب من بئر الماء، عند المساء، وقت خروج المستقيات، وقال: "أيّها الرّب، إله سيّدي إبراهيم، يسّر لي اليوم وآصنع رحمة إلى سيّدي إبراهيم، هاءنذا واقف بالقرب من عين الماء، وبنات أهل المدينة خارجات ليستقين ماء").
وفي سِفر التكوين أيضاً (29/ 1-14) نجد قصّة لقاء يعقوب وراحيل على البئر عينها. يومها صار اسم هذه البئر، بئر يعقوب. يعقوب سوف يصبح اسمه فيما بعد اسرائيل، وهذه البئر التي يلتقي فيها المسيح بالسّامريّة هي البئر التي خطب الله فيها إسرائيل عروسته. هي رمز للعهد القديم، بئر الآباء ومكان عرسهم وإتّحادهم بالنساء اللواتي سوف تعطين نسل إسرائيل.
وكانَ يسوعُ قد تَعِبَ مِنَ المَسير، فَجَلَسَ دونَ تَكَلُّفٍ على حافَةِ البِئر:
ما قاله يوحنّا في إنجيله لا يقدر أن يعبّر عنه مترجم النصّ الى العربيّة: النصّ اليونانيّ قد يعني جلس قرب البئر، إنّما قد يعني أيضًا جلس فوق البئر، جلس على البئر. يوحنّا يستعمل الرمزيّة، وانتباهنا لهذا البعد هو أمر أساسيّ في سبيل فهم الإنجيل الرّابع، علينا أن نقرأ لا النصّ فحسب، بل خاصّة ما يقف وراء كلّ كلمة يستعملها الإنجيليّ. فماذا يعني قول يوحنّا المبهم: حلّ قرب/فوق البئر؟ يسوع يجلس فوق بئر يعقوب، المكان الأوّل الذي بدأ فيه الله بتتميم وعده لإبراهيم بأن يكون نسله كنجوم السّماء. يسوع يحلّ مكان البئر، يصبح هو الينبوع نفسه، ويُعلن نفسه للسّامرية أنّه نبع الماء الحيّ وليس فقط مُعطي الماء.
وكانَتِ السّاعةُ تُقارِبُ الظُّهر: هي أيضاً رمزيّة تخفي معنيين:
- ساعة أنتصاف النهار، يسوع فوق النبع والشّمس فوقه، ليقول يوحنّا أن حتى ظلّ يسوع لا يخرج خارج النبع، هو النبع الوحيد للماء الحيّ.
ساعة اشتداد الحرّ، ويسوع يعطش. عبارة: "أنا عطشان" سوف يلفظها يسوع على الصّليب (يو 19/ 28)، حيث يصبح من جديد بئر ماء الحياة التي تخرج من جنبه. ولكن إن كان المسيح يقول عن نفسه أنّه هو الماء الحيّ فلماذا يعطش؟ هو عطشه الى إعطاء الحبّ وتتميم الخلاص. إن كان الماء الحيّ هو المسيح، والمسيح والآب واحد، وطبيعة الله حبّ، والحبّ لا يرتوي إلّا عندما يُعطي، نفهم أنّ عطش المسيح هو إلى أن يحبّ إلى أقصى حدود الحبّ، "وما من حبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه".
فجاءَتِ امرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ تَستَقي، فقالَ لَها يسوع: "اِسْقيني".
لقد قاد الحبّ يسوع العروس الى عروسته الغريبة، المكروهة، المستبعدة والمحتقرة. إمرأة سامريّة لا علاقة لها بإسرائيل، يسوع يناديها، يحطّم القيود العرقيّة والعنصريّة، الإجتماعيّة والثقافيّة، الطبقيّة والعقائديّة. يذهب يستعطي منها الماء، يصبح إلهًا متسوّلا، يتسوّل حبّ إنسان خاطئ، وينتظر الماء، ماء الحبّ يبادله إيّاه الإنسان.
"اِسْقيني":
هي صرخة الله للإنسانيّة، دعوة إلى الدّخول في علاقة حبّ مع الله. المسيح- الكاهن يدعو الكنيسة- السامريّة، الكنيسة المتألّمة، الخاطئة، المتّهمة، المضطهدة والمهمّشة، يقول لها: "اِسْقيني". المسيح يدعو الكنيسة لأن تعطي الله ما يُعطيها إيّاه هو بملئه. المسيح يطلب من السّامريّة أن تعطيه ما تملك: ماء كُلُّ مَن يَشرَبُ مِنه يَعطَشُ ثانِيَةً ويُعطيها بالمقابل ماء لَن يَعطَشَ أَبدًا الَّذي يَشرَبُ منه، بل يصيرُ فيه عَينَ ماءٍ يَتفَجَّرُ حَياةً أَبَديَّة. المسيح يطلب من بشريّتنا ما يمكنها أن تقدّمه، فيحوّل هو هذه العطيّة من حقيقة أرضيّة مائتة إلى حقيقة خلاصيّة. يطلب منّا المخاطرة معه وإعطاءه ما نملك، نسمعه ينادينا: "إسقني"، إي أعطني إمكانياتك ولا تخف من حقارتها، فأنا أحبّها وأبدّلها.
المسيح يطلب قدرتنا ليعمل بنا، لا يغتصب حريّتنا، يطلب إمكانياتنا المـُحتقرة من الآخرين وحتى منّا أنفسنا أحيانًا، يطلب ثقافتنا السامريّة، وحقيقتنا الزانية، وطبقتنا المهمّشة، ليعطينا قدرته الكاملة، وحقيقته الإلهيّة، وطبقته وقدرته، تمامًا كما طلب من السّامريّة أن تبادله الماء العابر وتأخذ منه الحياة بملئها.
هو أخذ المبادرة، واتّجه إليها، قد كسر التقاليد مرّتين: تكلّم مع إمرأة وحيدة فتشكّك التلاميذ، وتكلّم مع سامريّة فدُهشت السّامريّة من يهوديّ لا يخاف أن يدنّسه اقترابه منها! لقد انطلق هو نحوها، هي لم تُفتّش عنه.
نحن مدعوّون أيضًا أن نكون على صورة المسيح الكاهن العروس الذي ينادي عروسه الكنيسة باسمها، يقول لها أنا عطشان، ينطلق هو للتفتيش عنها ويجعلها له وحده.
ككهنة نحن مسحاء آخرون، نفتش عن الكنيسة، نحبّها، نطلب منها ماء الحبّ، ننطلق إليها ولا ننتظرها، نذهب لنبذل ذاتنا من أجلها لتصبح بكاملها للمسيح. الإنطلاق هذا يعني أن ننطلق كالمسيح، مُرسلين من الآب، ولذلك فإن إنطلاقنا إلى الآخر، إلى الكنيسة، هو فعل إيمان بالله الآب الذي يُرسلنا، هو إيمان بالإبن الذي نضحي صورته أمام الكنيسة، وبالرّوح القدس الذي يهبنا إيّاه المسيح وديعة نعطيها للكنيسة فلا تعود تعطش أبدًا.
المسيح دخل في علاقة حوار مع السامريّة، طلب منها المساعدة، تسوّل منها الماء رغم إمتلاكه الماء الحيّ: الدخول بعلاقة حبّ مع الكنيسة تعني الدخول بعلاقة حبّ مع شعب الله، إي أن أبني علاقة تعكس وجه المسيح مع كلّ واحد من أبناء الكنيسة.
المسيح دخل في حوار مع السامريّة فحوّل حياتها، لم ينطلق إليها بصورة المسيح الذي دخل الهيكل ليطرد الباعة، ذهب إليها من النّد الى ندّه فحوّل حياتها. خدمتي الكهنوتيّة تعني أيضًا قدرتي على محبّة العالم، ورؤية جمال العالم والدّخول في حوار معه دون خوف منه، لأجذبه نحو المسيح كما اقترب المسيح من السامريّة دون خوف وجذبها نحو الآب.
كما لا يُمكن لمعموديّتي ولدعوتي الكهنوتيّة أن تلتقي مع نظرتي الفوقيّة إلى الكنيسة: المسيح ليس فقط إبن مملكة الجنوب، مملكة يهوذا، إنّما هو المسيح المنتظر، لم يذهب ليؤنّب إبنة الشّمال الوثنيّة والسّامرة المرذولة، ذهب ابن داود نحو ابنة السّامرة وقدّر الماء القليل الذي تملكه، وطلبه منها. لا يمكن لكهنوتنا أن يصبح وسيلة احتقار للكنيسة التي هي مصدر كهنوتنا وغايته. لا نخف أن نطلب من شعب الله أن يُعطينا ماء في حرّ وحدتنا، لا نهرب من الشّعب الذي دُعينا لندخل معه في علاقة حبّ وفداء.
يا ربّ، أَعطِني هذا الماء، لِكَي لا أَعطَشَ فأَعودَ إِلى الاستِقاءِ:
المرأة تطلب الماء، ليس لأنّها آمنت، بل لأنّها تسعى إلى راحتها. الهدف كلّه هو عدم العودة إلى الإستقاء. لم تصل بعد إلى مرحلة التتلمذ، ما زالت الإنسان المفتّش عن مصلحته، عن راحته، صورة الإنسان الّذي يدخل في علاقة تجارة مع الله: أعطيك صلاتي، فتعطيني الصّحة، أو الشّفاء، أو الحماية... لم تصل بعد إلى مرحلة الحبّ، ما زالت تفتّش عن راحتها.
ولكنّها أيضًا صورة لكنيستنا المتعبة من الإستقاء من الآبار المشقّقة، تسعى إلى الإرتواء من مياه تدوم. إنّها كنيستنا المتعبة لأنّ مياه البشر لا ترويها بل تزيدها ظمأ.
- مياه اللذة: يرى أبناؤنا اليوم في اللذة سبيلاً إلى إرواء هذا العطش فلا ينجحون: الجنس، المخدّرات، القمار... يسعون إلى إيجاد طريقة للإرتواء فلا يفلحون، تمامًا مثل السّامريّة التي لم تقدر أن تسدّ فراغها الكيانيّ ولا حتّى بخمسة أزواج، فأطلقت نحو يسوع صرخة إستغاثة.
- مياه فخر العالم: مياه المظاهر والثروات والشّهرة، يسعى أبناء عروس المسيح لمجد العالم علّهم يرتوون، فلا ينجحون.
فقالَ لَها: اِذهَبي فَادْعي زَوجَكِ، وارجِعي إِلى ههُنا
السّامريّة طلبت الماء، والرّبّ طلب منها إحضار زوجها، لماذا؟ لأنّ الزوج هو من يؤمّن حاجات الزوجة، ويبذل نفسه من أجلها. رمزيّة جديدة يستعملها يوحنّا تجد جذورها في العهـد القديم، نجده مثلاً للدلالة لا للحصر في حزقيال "ولم تَكوني كالزَّانِيَةِ الَّتي تَسْعى وَراءَ الأُجرَة، بل كالمَرأةِ الفاسِقَةِ الَّتي تَأخُذُ أَجانِبَ مَكانَ رَجُلِها" (حز 16 /31- 32).
الأزواج الخمسة والغريب السّادس:
الأزواج الخمسة هم الألهة الخمسة الغريبة الذين لقيوا العبادة في السّامرة:
1- كانت السّامرة من البداية مدينة وثنيّة وبنى فيها آحاب الملك هيكلاً للبعل (1 ملوك 16: 32) ثمّ جلس أنبياء عشتروت أو أشيرة على مائدة الملكة إيزابل (1 ملوك 18: 19).
2- آلهة آرام التي اجتاحت أصنامها المدينة حين بنى ملك آرام أسواقـًا في السّامرة (1 ملوك 20: 34).
3-آلهة الأشوريّين التي عبدها السّامريّون بعد أن هاجم شلمنأَصر ملك أشور مدينة السّامرة (2 ملوك 17: 3 - 6) وتغلّب عليها في عام 720 على يد خلفه سرجون.
4- آصنام الآلهة اليونانيّة عبدها السامريّون وفي عام 332 ق.م. بعد أن استولى الإسكندر المقدونيّ على المدينة.
5- الآلهة الرومانيّة التي رقص أمامها السامريّون بعد أن احتلّ الرّومان السّامرة وعبدوا فيها آلهتهم. هي الأزواج الخمسة للسّامرة، التي خانت بها عهد الله.
والسّادس ليس زوجها: هو الله إله إسرائيل الذي يقدّم له السّامريّون الذبائح على جبل جرازيم، وعلاقتهم به ليست علاقة الشّعب الوفيّ بالله الزوج، إنّما هي علاقة مساكنة، عدم التزام، علاقة قائمة على سدّ الحاجات دون التزام بعهد الحبّ الزوجيّ، وبالتالي صارت حياة السامريّة الخاصّة تتطابق مع تاريخ شعبها.
العروس السّابع:
ها هو المسيح يأتي الى هذه المرأة كالعروس السّابع، والسّابع هو رقم الخلق والكمال، هو المسيح العروس الذي جاء يدخل مع الجماعة الخاطئة بعلاقة حبّ زوجيّ رغم تاريخ بشريّتنا وماضيها، جاء يجدّد الخلق الذي تمّ في الأصل في سبعة أيّام.
بقوله اِذهَبي فَادْعي زَوجَكِ، وارجِعي إِلى ههُنا يضع المسيح المرأة أمام واقعها، تكتشف أن ليس لها زوج، ليس لها من يحبّها ويبذل نفسه من أجلها. أزواجها الخمسة كلّهم تركوها، والسّادس ليس زوجها، فهي لم تكن وفيّة له بل إختارت أن تكون حرّة في علاقتها معه، ترتبط به ساعة تحتاجه. المسيح الكاهن جاء يبذل نفسه عن هذه الجماعة المتألمة ذات التاريخ المملوء خيانة وخطيئة.
كلّ مسيحيّ معمّد، وكلّ كاهن مدعوّ، هو مُرسل من الله مسيحًا آخر، مُرسَل من الله ليكمل عهد الزواج الذي تمّ بين المسيح والكنيسة على الصّليب.
هو رسول المغفرة، يحبّ ولا يحاكم، يدخل في علاقة حبّ مع شعب الله المتعب من السّير وراء آلهة العالم والمادّة، يترك واحدًا ليرتبط بآخر أسوأ منه.
هو المسيح الآخر الذي أبطل حالة المساكنة التي أرادت الجماعة أن تحياها في علاقتها بالله دون الإلتزام بعهد أبديّ.
هو المسيح الآخر الذي جاء يحمل لعروسة المسيح الماء الحيّ، ماء الرّوح القدس الذي يعطي به الآب الرّوح بواسطة الإبن.
ونحن؟
أي علاقة نحياها نحن مع كنيسة المسيح: أعلاقة "زنى"، أي أني أشبع رغباتي وتطلّعاتي ووصوليتي بكلّ أشكالها من خلال علاقتي بشعب الله المؤمن؟
أم هي علاقة مساكنة: أحيا خائفـًا من إلتزام أبديّ، تكون معموديّتي مجرّد حدث تمّ في الماضيّ، ويكون كهنوتي كهنوت مساكنة، دون التزام بالكنيسة، أعمل من أجلها ساعة أحتاجها أو ساعة أرغب في العمل؟
أم هي علاقة زواج بين المعمّد والكاهن وبين عروس المسيح: الكنيسة، علاقة خلق من جديد، علاقة اليوم السابع الذي يتجدّد فيه كلّ شيء.
الأب بيار نجم ر.م.م.