الإفخارستيّا غذاء الطريق

أضواء

الإفخارستيّا غذاء الطريق




سؤال مهمّ يمكن أن يطرحه المؤمن على نفسه: لماذا يتمّ التناول في آخر القدّاس وليس في أوّله أو في منتصفه؟


والجواب يأتي من هذا المقطع الرائع من سفر الملوك. كان إيليّا النبيّ يائسًا تعبًا مرهقـًا. فرسالته تواجه صعوباتٍ لا يستطيع وحده تذليلها. فاستسلم وطلب من الربّ الموت.


ولكنّ ملاك الربّ أيقظه وقال له: قم فكُل، فإنّ الطريق أمامك طويلة.


الإفخارستيّا هي زوّادة طريق. ولا أحد يأخذ زوّادته إلّا حين ينوي الانطلاق. لذلك نجدها في آخر القدّاس. إنّ حضور القدّاس ليس تأدية واجبٍ بقدر ما هو تجهّز لانطلاقٍ. إنّه محطّة نستعيد فيها قوانا وننهض للإنطلاق إلى الحياة وعيشها بحسب تعاليم الإنجيل.


محطّة نراجع فيها أخطاءنا وخطايانا، ونعقد العزم على تفاديها لاحقـًا، وننال ما يساعدنا على إتمام ما عزمنا عليه. محطّة نتغذّى فيها من كلمة الله، ومن كيان المسيح، فيسري كيانه في جسدنا كلّه وينعشه.


كثيرون يعتقدون أنّ الإفخارستيّا نهاية مسار ... لقد عشتُ كما يجب، وبذلتُ جهدًا، والآن أستحقّ أن أتناول. وآخرون لا يرون الرابط بين الإفخارستيّا وحياتهم قبلها وبعدها، وكأنّ فترة الصّلاة هذه منتزعة من مسار الحياة الشخصيّة. طقس يؤدّى ولا يرتبط بالحياة اليوميّة إلّا بخيوطٍ رفيعة. واجب مقدَّس ينبغي إتمامه لتفادي العقاب الربّانيّ.


الإفخارستيّا ليست هكذا. فهذه الأفكار جديرة بالقاصرين. والكنيسة تلحّ على أنّ التّناول في القدّاس هو زاد للطريق. به ننال نِعمة ً من الله تساعدنا على تخطّي الصعوبات الداخليّة والخارجيّة، وبه نستطيع أن نسير مسيرة ارتقاء لا مسيرة انحطاط، ارتقاء لجبل الله حوريب، ارتقاء في الأفكار والمشاعر والأحاسيس، وخصوصًا ارتقاء في أهداف حياتنا، فلا تكون بعدُ هذه الأهداف مادّيّة أو دنيويّة محصورة في الطعام والشراب واللباس والصّحة، بل تسمو في الروحانيّة وتتوق إلى شيءٍ واحدٍ: لقاء الله، رؤية محيّاه، التمتّع بجماله الذي يفوق الوصف.


إنّ الطريق لتحقيق هدفٍ كهذا طويل، ويحتاج إلى زادٍ إلهيّ. ... وقام إيليّا، وأكل، وسار أربعين يومًا وأربعين ليلة، وصعد جبل الله حوريب، وهناك، بعد هذه المسيرة الطويلة، المدعومة بالغذاء الروحيّ، إلتقى الله في جبل حوريب.


بعد أن تتناول، وتشكر الله على عطيّـته، فكّر وأنت تخرج من الكنيسة: الآن، وقد تزوّدتُ بما يلزمني، ها أنذا أنطلق إلى العالم يا ربّ لأكون فيه خميرةً صالحة، لأحوّله بشهادة حياتي ومثَلي كي يتوافق مع صورة العالم الحسن الذي خلقته بموجبها، والذي تتمنّى أن يحافظ عليها.


الأب سامي حلاّق اليسوعيّ